طالعنا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أيام قليلة بتصريح يبدو من الوهلة الأولى أنه مشجع للغاية في سبيل الخطوات الإيجابية التي تنتهجها حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، والتي أكدت على حسن الجوار والتعاطي الإيجابي مع الدول وخاصة الخليجية منها. غير أننا حين نمحص هذا التصريح ونطرحه على واقع الحال، نجد أن السبيل لتحقيق هذا الأمر بالغ التعقيد ويحتاج إلى جهود كبيرة للانتقال بهذا التصريح إلى واقع ملموس من الممكن التعاطي معه. فما هو هذا التصريح؟ وهل يمكن تطبيقه عملياً بالنظر إلى الظروف الراهنة؟ «إيران مستعدة لمطالبة جميع القوى الأجنبية بالانسحاب من سوريا، نحن مستعدون، للضغط من أجل انسحاب كل غير السوريين من الأراضي السورية». كان هذا هو التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني لتلفزيون فرانس 24 في معرض الرد على سؤال عما إذا كانت إيران مستعدة لاستخدام نفوذها على جماعة «حزب الله» المتواجدة في سوريا. تصريح أخذ معه أبعاداً كثيرة وتساؤلات جمة حول مدى إمكانية تطبيقه على أرض الواقع. بداية يأتي النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد بوصفه الحليف الاستراتيجي والرئة التي تتنفس منها إيران في المنطقة. فهو بالإضافة إلى كونه حليفاً استراتيجياً، يسير هذا النظام في دائرة ما يعرف بمحور المقاومة، التي يدور في فلكها النظام الإيراني و«حزب الله» اللبناني، هذا الحزب الذي يرى في سوريا بالإضافة إلى ذلك، الجسر الآمن لاستمرار تدفق دعم النظام الإيراني له. إذن فالنظام السوري هو النظام الذي يؤدي سقوطه إلى تراجع قوي للنظام الإيراني وبالتالي فقدان ورقة ضغط ظلت داعمة له في سبيل توسيع محيطه الأمني. لذلك فإن ما يجري في سوريا ونظراً لمقتضيات المصلحة، هو مغاير من منظور النظام الإيراني لما عُرف بثورات «الربيع العربي»، بل إنها ثورة منقادة من الخارج. لا تزال الثورة السورية في بداياتها ولا يزال جيش النظام السوري قادراً على المواجهة، وبالتالي فلا حاجة سوى للدعم السياسي والمعنوي، وهو ما تتصدى له إيران وتنادي بأن ما يجري في سوريا ليس ثورة شعبية وظهر ما يعرف في أدبياتها بالمعارضة السورية الحقيقية، والتي لم تفتأ تستضيفها في عدد من المؤتمرات التي عقدت في العاصمة طهران. «جبهة النُصرة تبايع والنظام الإيراني يُوظف». فبمجرد مبايعة هذه الجبهة لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري على لسان المسؤول العام للجبهة «أبو محمد الجولاني»، تسنى للنظام الإيراني التأكيد على ما ذهب إليه في نعت ما يحدث في سوريا بأنه ثورة غير سورية ومنقادة من الخارج. المعارك تشتد في سوريا والمعارضة تحقق نجاحات متتالية، في مقابل تراجع القوات الموالية للأسد. المعارك تصل إلى ضريح السيدة زينب وجماعة تقدم على نسف ضريح حجر بن عدي. أصبحت المبررات والذرائع متوافرة لدخول التنظيمات الشيعية المسلحة لحماية المقدسات الشيعية. تفتح أبواب التطوع ويتقدم لواء أبو الفضل العباس من العراق للتدخل في المعارك. الجيش الحر يحقق تقدمه باتجاه العاصمة دمشق ويقصف القرى المتاخمة للبنان. الذريعة أصبحت جاهزة لـ«حزب الله» للتدخل. «سوريا هي ظهر المقاومة وسندها والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء كسر ظهرها»، هذا هو التصريح الذي ظهر به حسن نصر الله إيذاناً بتدخل «حزب الله» في المعارك في سوريا. يتضح جلياً أن تصريح وزير الخارجية الإيراني في أحد جوانبه يقارب الواقع. فتلك التنظيمات الشيعية تقع تحت تأثير النظام الإيراني ولديه من النفوذ ما يدفع بهذه التنظيمات المسلحة للانسحاب من سوريا. علامة الاستفهام الكبرى التي تدور في خلجات المتابعين والمحللين هي: إذا كان للنظام الإيراني تأثيره الواضح على التنظيمات الشيعية المسلحة في سوريا فلماذا عمم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بقوله إن بإمكان إيران مطالبة جميع القوى الأجنبية بالانسحاب من سوريا؟ يمكن النظر إلى هذا الأمر من زاويتين: الزاوية الأولى: هي رغبة وزير الخارجية الإيراني تعميم المسألة وليس حصرها في التنظيمات الشيعية المسلحة، ويمكن إثبات ذلك من خلال تعميم إجابته على سؤال كان محدد الأطر وهو: هل إيران مستعدة لاستخدام نفوذها على جماعة «حزب الله» المتواجدة في سوريا. الزاوية الأخرى: هي أن هذا الأمر لا يقتصر على إيران فحسب وإنما هناك أطراف ودول أخرى يتوجب عليها الضغط باتجاه سحب المقاتلين من الأراضي السورية. وسيكون دور إيران في ما يتعلق بسحب بقية القوات الأجنبية الأخرى ليس من باب تأثيرها المباشر عليها، وإنما من خلال سحب التنظيمات الشيعية المسلحة من سوريا إذا كانت هي السبب في استمرار بقائها. السؤال الآخر المُلح هنا، هل من السهولة أن يقوم النظام الإيراني بسحب التنظيمات المسلحة من سوريا؟ إن العودة إلى ما أسلفنا قوله فيما يتعلق باستراتيجية العلاقة وأهمية أضلاع محور المقاومة بدءاً من إيران مروراً بسوريا وليس انتهاءً بـ«حزب الله»، يؤكد على أن مسألة تحقيق التفوق العسكري الميداني على المعارضة في سوريا هو أمر مهم للغاية. فاختلال التوازن العسكري بين المعارضة ونظام بشار الأسد لصالح هذا الأخير هو في واقع الأمر ورقة مساومة سياسية قوية، دفعت إلى صعوبة عقد مؤتمر جنيف 2 وتزايد الإشارات بضرورة مشاركة إيران فيه. قيام إيران بسحب الميليشيات الشيعية من سوريا سواء «حزب الله» أو لواء أبو الفضل العباس أو غيرها من التنظيمات لن يتأتى سوى ضمن اتفاقية شاملة لجميع أطراف النزاع سواء في الداخل أو الخارج. وهو أمر بالغ التعقيد، فالقضية لا تتمحور حول مواجهة قوات المعارضة السورية فحسب، وإنما كما يراه عمار الموسوي مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» أن السبب الذي يقف وراء ذهاب حزبه لسوريا يكمن في سبيل مواجهة مشروع الاستكبار العالمي ضد سوريا. فهل بعد هذا يمكن أن يلقى حديث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل آذاناً صاغية حين قال إن على إيران «أن تخرج من سوريا، وتخرج حليفتها اللبنانية حزب الله»؟